حول نظام تأديب الموظفين
الواقع يقول إن نظام تأديب الموظفين سيف مسلط على رقاب الموظفين إن هم خالفوا أوامر رؤسائهم حتى وإن كانت غير قانونية، ويقول أيضاً إن هناك تراخيا في تطبيق العقوبات على المخالفين



من الانتقادات التي وجهت إلى نظام تأديب الموظفين الحالي، عدم وجود عقوبات صارمة بحق الموظفين المخالفين، بالإضافة إلى قدم النظام وعدم تطويره منذ أكثر من 40 سنة، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار التجاوزات والمخالفات، وفتح باب إساءة استخدام السلطة وذلك من مبدأ: "من أمن العقوبة أساء الأدب".
قبل الخوض في مناقشة هذا الموضوع، لا بد من التذكير بأن المخالفات التأديبية تختلف قانونياً عن الجرائم الجنائية التي تطال المال العام مثل الرشوة والاختلاس والتزوير والسرقة، فالبعض يخلط بين المخالفات الإدارية والمالية وبين الجرائم الجنائية، فمثل هذه الجرائم لها أنظمة وعقوبات خاصة بها ومن ذلك على سبيل المثال نظام مكافحة الرشوة، وبالتالي فهي ليست خاضعة لنظام تأديب الموظفين.
هذا بالإضافة إلى اختلاف سلطات التحقيق والادعاء، فالجرائم الجنائية هي من اختصاصات هيئة التحقيق والادعاء العام، والمخالفات المالية والإدارية هي من اختصاصات هيئة الرقابة والتحقيق، فهي تعد النيابة الإدارية التي لها اختصاص شامل في إجراء كافة التحقيقات الإدارية المحالة إليها من الجهات الحكومية.
وللتأديب في الوظيفة الحكومية دور مهم في إرساء مبدأ الانضباط الواجب توافره لتمكين الجهة الحكومية من الاضطلاع بما يناط بها من دور لتحقيق الصالح العام، فهو بمثابة وسيلة لمعاقبة الموظف الحكومي بهدف مواجهة سلوك منحرف، وهو أيضاً سلاح ذو حدين، في حال تطبيق العقوبات بقسوة أو التراخي في تطبيقها.
وعلى أية حال، فإن الأسئلة التي تثار على نظام تأديب الموظفين، وخاصة من قبل المواطنين والمختصين، تتمثل في مدى فاعلية النظام في التقليل والحد من ظاهرة الفساد الإداري والمالي.. فهل هناك عقوبات صارمة؟ وإذا وجدت فهل تطبق على أرض الواقع؟ وهل فعلاً تطبق على الموظف الصغير في المستويات الإدارية الدنيا فقط دون تطبيقها على الموظفين الكبار في الإدارة العليا؟
وإذا كانت مظاهر الفساد الأكثر خطورة مثل الرشوة والاختلاس، لا تخضع لعقوبات النظام، وإنما لأنظمة أخرى، فما هو حال أوجه الفساد الأخرى التي يعاقب عليها النظام؟ ماذا عن استغلال النفوذ والمحاباة والواسطة والانحراف عن السلطة؟
وأخيراً، ما الضمانات القانونية التي تحمي الموظفين من التعسف والعمليات الانتقامية عند تطبيق العقوبات عليهم، فالواقع يقول إن نظام تأديب الموظفين سيف مسلط على رقاب الموظفين إن هم خالفوا أوامر رؤسائهم حتى وإن كانت غير قانونية؟ والواقع يقول أيضاً إن هناك تراخيا في تطبيق العقوبات على المخالفين!
إن الإجابة على الأسئلة السابقة في رأيي تمثل المشاكل الحقيقية لنظام تأديب الموظفين، وتعد أيضاً منطلق أية عملية تطوير وتحديث في مواد النظام، ولنبدأ أولاً بالعقوبات الموجودة في النظام، وتحديد السلطة المخولة في تطبيق العقوبات، ومن ثم نناقش إشكاليات التطبيق على أرض الواقع.
فقد جاء النص على العقوبات التأديبية في المادة 32 من النظام، والخاص بموظفي المرتبة العاشرة وما دونها، والتي حصرت الجزاءات في: الإنذار واللوم، والحسم من الراتب، والحرمان من العلاوة، والفصل، أما بالنسبة لشاغلي المرتبة (11) فما فوق فيخضعون للعقوبات التالية على سبيل الحصر: اللوم، الحرمان من علاوة دورية واحدة، وأخيراً الفصل.
وفي المادة 35 من النظام فقد أناط المشرع بسلطة تطبيق العقوبات إلى الوزير المختص في الجهة الحكومية ما عدا عقوبة الفصل فهي من سلطة المحكمة التأديبية (ديوان المظالم)، وذلك بعد إجراء التحقيق اللازم.
ومما سبق يلاحظ على العقوبات السابقة بأنها إلى حد ما مقتضبة، الأمر الذي يراه البعض بأنه غير كاف في مجال ردع الموظفين، كما أن هذا الأمر أدّى إلى لجوء بعض الجهات الحكومية إلى تطبيق عقوبات "مقنعة" وغير نظامية بسبب قلة العقوبات، كالنقل والتأخير في الترقية، لذا فإن الأمر يحتاج لوجود عقوبات إضافية مثل الإحالة إلى التقاعد، وخفض الدرجة الوظيفية وهكذا، ومن المفترض أيضاً أن تكون العقوبات أشد بالنسبة للمراتب العليا وذلك لأن المسؤوليات والصلاحيات تكون أكبر منها في المراتب الدنيا.
أما بالنسبة لسلطات تطبيق العقوبة، فالنظام وضع بعض الضمانات لعدم التعسف في تطبيقها، ولكن الأمر يحتاج إلى تفصيل أكثر لتحديدها وخاصةً الانتقامية منها، هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإذا كان النظام أعفى الموظف من العقوبة إذا ثبت أن ارتكابه للمخالفة كان تنفيذاً لأمر مكتوب صادر إليه من رئيسه المختص بالرغم من مصارحة الموظف له كتابة بأن الفعل المرتكب يكون مخالفة، كان الأولى وضع تعريف قانوني للمخالفات الجسيمة والمخالفات العادية.
أما بخصوص المخالفات التي تتعلق بالمحاباة والمحسوبية وكذلك استغلال النفوذ وتحقيق منافع شخصية، فهذه الممارسات تدخل ضمن مفهوم الانحراف بالسلطة ولها أشكال متعددة، ويرى بعض فقهاء القانون ضرورة أن تدخل هذه المخالفات ضمن الجرائم الجنائية بحيث يعاقب عليها الرئيس الإداري.
والانحراف عن السلطة -في رأيي- أحد المفاهيم القانونية الغامضة ومعقدة الإثبات، وربما تكون بلا عقوبات واضحة، وهي تشكل لب مشاكل نظام تأديب الموظفين فهي عادةً تتعلق بكبار الموظفين، لذا أرى أن تكون هذه المخالفة واضحة للعيان مع وجود عقوبات تأديبية لها، مع تيسير إجراءات التقاضي بحيث تحسم القضية بسرعة مناسبة.
بالإضافة إلى ما سبق، يرى بعض المختصين أن هناك مجالات لم يشملها النظام رغم أهميتها مثل تسبيب قرار العقوبات والقرارات الإدارية الأخرى، حيث إن معظم القرارات تصدر دون تسبيب، وهذا ما يجعلها محلاً للطعن والإلغاء، بالإضافة إلى عدم وضوح الإجراءات التأديبية على غرار الإجراءات الجنائية والمرافعات.
لا شك عندي بأن الإشكاليات السابقة وحلولها موجودة في القضاء الإداري في المملكة، ولكن الأمر يحتاج إلى دراستها بشكل أوسع، مع ضرورة وجود مدونات قانونية وقضائية مكتوبة ومعلنة، وإعادة النظر في تحديث نظام تأديب الموظفين وذلك بهدف تعزيز الثقافة القانونية وضمان تحقيق مصلحة الجهاز الإداري في الدولة.


سطام المقرن 2014-02-25 12:53 am
صحيفة الوطن